فصل: خلافة المعتمد على الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


 البيعة للمعتز بالله

في هذه السنة بعد مسير المستعين إِلى بغداد من سامراء كما ذكرنا خافه الأتراك فأخرجوا المعتز بالله بن المتوكل وكان في الحبس وبايعوه واستولى على الأموال التي كانت في سامراء للمستعيـن ولأمـه وأنفـق في الجند ثم عقد المعتز لأخيه أبي أحمد طلحة بن المتوكل وهو الموافق لسبع بقين من المحرم وجهزه مع خمسين ألفاً من الترك إِلى حرب المستعين وتحصن المستعين ببغداد وبقي المعتز بسامراء والمستعين ببغداد وجرى بين الفريقين قتال كثير ثم اتفق كبراء الدولة ببغداد على خلع المستعين وألزموه بذلك وفي هذه السنة مات السري السقطي الزاهد‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائتين

 خلع المستعين وولاية المعتز

وهو ثالث عشرهم ولما جرى من أمر المعتز والمستعين ما ذكرناه خلع المستعين أحمد بن محمد المعتصم نفسه من الخلافة وبايع المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم وخطب للمعتز ببغداد يوم الجمعـة رابع المحرم من هذه السنة وأخذت له البيعة على جميع من ببغداد ثم نقل المستعين من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل بعياله وأهله وأخذ منه البردة والقضيب والخاتم فطلب المستعين أن يكون مقامه بمكة فمنع من التوجه إِلى مكة فاختار المقام بالبصرة فوكل به جماعة وانحـدر إِلـى واسـط ثـم أمـر المعتـز بقتـل المستعيـن وكتـب إلـى أحمـد بن طولون بقتل المستعين فامتنع أحمد بن طولون عن قتله وسار أحمد بن طولون بالمستعين إِلى القاطول وسلمه إِلى الحاجب سعيد بن صالح فضربه سعيد حتى مات وحمل رأسه إِلى المعتز‏.‏

فأمر بدفنه وكانت مدة خلافة المستعين إِلى أن خلع ثلاث سنين وتسعة أشهر وكسراً وكان عمره أربعاً وثلاثين سنة‏.‏

وفـي هـذه السنة عقد لعيسى بن الشيخ علي الرملة فأنفذ له نائبا عليها يسمى أبا المعتز وهذا عيسـى شيبانـي وهـو عيسـى بن الشيخ بن السليك من ولد جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان فلمـا كـان من فتنة الأتراك ما كان بالعراق تغلب ابن الشيخ المذكور على دمشق وأعمالها وقطع ما كان يحمل من الشام إلى الخليفة واستبد بالأموال‏.‏

وفيها توفي محمد بن بشار ومحمد بن المثنى الزمن البصريان وهما من مشايخ البخاري ومسلم في الصحيح‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين

في هذه السنة شغبت الجند بسبب طلب رزق أربعة أشهر فلم يجبهم وصيف إِلى ذلك فوثبوا على وصيف وقتلوه فجعل المعتز كل ما كان إِلى وصيف إِلى بغا الشرابي‏.‏

وفي هذه السنة مات محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين‏.‏

وفي هذه السنة ملك يعقوب الصفّار هراة وبوشنج وعظم أمره وهابه أمير خراسان وغيره‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين

في هذه السنة قتل بغا الشرابي الصغير تحت الليل وكان بغا قد خرج من بين أصحابه وجنده ومعه خادمان له وقصد الركوب في زورق فأعلم المتوكلون بالجسر المعتز بخبره فأمرهم بقتله فقتلوه وحملوا رأسه إِلى المعتز‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي جمـادى الآخـرة توفـي علـي الهـادي وعلـي التقي وهو أحد الأئمة الإثني عشر عنـد الإِماميـة وهـو علي الزكي بن محمد الجواد المقدم ذكره في سنة عشرين ومائتين وكان علي المذكور قد سعى به إِلى المتوكل أن عنده كتباً وسلاحاً فأرسل المتوكل جماعة من الأتراك وهجموا عليه ليلاً على غفلة فوجدوه في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ليس بينه وبين الأرض بساط إِلا الرمل والحصا فحمل على هيئته إِلى المتوكل والمتوكـل يستعمـل الشـراب وفـي يـده الكـأس فلمـا رآه المتوكـل أعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمـي قـط فاعفني منه فأعفاه وقال‏:‏ أنشدني شعراً‏.‏

فقال‏:‏ إِني لقليل الرواية للشعر‏.‏

فقال المتوكل‏:‏ لا بد من ذلك‏.‏

فأنشده‏:‏ باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلبَ الرّجالُ فما أغنتهُمُ القلَلُ واستُزلوا بعد عزٍ عَنْ معاقلِهِم فأَودَعوا حُفراً يا بئس ما نزلوا ناداهُمُ صارخٌ من بعدما قَبروا أيـن الأسرة والتيجانُ والحلل فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهم تلكَ الوجوهُ عليها الدود يقتتَلُ قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طولِ الأكل قد أكلوا فبكى المتوكل ثم أمر برفع الشراب وقال‏:‏ يا أبا الحسن أعليك دين قال‏:‏ نعـم أربعـة آلـاف دينار فدفعها إِليه ورده إِلى منزله مكرماً وكانت ولادة علي المذكور فـي رجـب سنـة أربـع عشرة ومائتين وقيل ثلاث عشرة وتوفي لخمس بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة أربع وخمسين ومائتين بسرمن رأى ويقـال لعلـي المذكـور العسكـري لسكنـاه بسرمـن رأى يقال لها العسكري لسكنى العسكر بها وعلي المذكور عاشر الأئمة الاثني عشر وهو والد الحسن العسكري والحسن العسكري هو حادي عشر الأئمة الاثني عشر وهو الحسن بن علي الزكي المذكور بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب المقدم ذكرهم رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

وكانـت ولـادة الحسـن العسكـري المذكـور فـي سنـة ثلاثيـن ومائتيـن وتوفـي فـي سنـة ستيـن ومائتيـن فـي ربيع الأول وقيل في جمادى الأولى بسرمن رأى ودفن إِلى جانب أبيه علي الزكـي المذكـور والحسن العسكري المذكور هو والد محمد المنتظر صاحب السرداب ومحمد المنتظر المذكور هو ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على رأى الإِمامية ويقال له القائم والمهدي والحجة‏.‏

وولد المنتظر المذكور في سنة خمس وخمسين ومائتين والشيعة يقولون‏:‏ دخل السرداب في دار أبيه بسرمن رأى وأمه تنظر إِليه فلم يعد يخرج إِليها وكان عمره حينئذ تسع سنين وذلك في سنة خمس وستين ومائتين وفيه خلاف‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الرشيد وهو عم الواثق‏.‏

وفي هذه السنة ولي أحمد بن طولون على مصر‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين

في هذه السنة استولى يعقوب بن الليث الصفّار على كرمـان ثـم استولى بالسيف على فارس ودخل يعقوب الصفار إِلى شيراز ونادى بالأمان وكتب إِلى الخليفة بطاعته وأهدى له هدية جليلة منها عشرة بازات بيض ومائة مَن من المسك‏.‏

خلع المعتز وموته وفي هذه السنة في يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب خلع المعتز بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد واختلف في اسم المعتز فقيل محمد وقيل الزبير ويكنى أبا عبد اللـه وقيـل كنيته غير ذلك ومولده بسرمن رأى في ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وأمه أم ولد تدعى قبيحة ولليلتين خلتا من شعبان ظهر موته وكان سبب ذلك‏:‏ أن الأتراك طلبوا أرزاقهم فلم يكن عند المعتز مال يعطيهم فنزلوا معه إِلى خمسين ألف دينار فأرسل المعتز وسأل أمه قبيحة في ذلك فقالت‏:‏ ما عندي شيء‏.‏

فاتفق الأتراك والمغاربة والفراعنة على خلع المعتز فصاروا إلى بابه فقالوا‏:‏ اخرج إلينا فقال‏:‏ قد شربت أمس دواء وقد أفرط في العمل فإِن كان لا بد من الاجتماع فليدخل بعضكم إِليّ فدخل إِليه جماعة منهم فجروا المعتز برجله إِلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس فكان يرفـع رجلا ويضع أخرى لشدة الحر وبقي بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده وأدخلوه حجرة وأحضروا ابن أبي الشوارب القاضي وجماعة فأشهدوهم على خلعه ثم سلموا المعتز إِلى مـن يعذبـه ومنعوه الطعام والشراب ثلاثة أيام ثم أدخلوه سرداباً وجصصوه عليه فمات ودفنوه بسامراء مع المنتصر‏.‏

وكانت خلافته من لدن بويع بسامراء إِلى أن خلع أربع سنين وسبعة أشهر إلا سبعة أيام وكان عمره أربعاً وعشرين سنة وثلاثة وعشرين يوماً وكان أبيض أسود الشعر‏.‏

 خلافة المهتدي

وهـو رابـع عشرهـم وفـي يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب من هذه السنة بويع لمحمد بن الواثق بالخلافة ولقب المهتدي بالله وكنيته أبو عبد الله وأمه رومّية اسمها قرب‏.‏

وفي هذه السنة في رمضان ظهرت قبيحة أم المعتز وكانت قد اختفت لما قتل ابنها وكان لقبيحة أموال عظيمة ببغداد وكان لها مطمور تحت الأرض ألف ألف دينار ووجد لها في سفط قدر مكوك زمرد وفي سفط آخر مقدار مكوك لؤلؤ وفي سفط مقدار كيلجة ياقوت أحمـر لا يوجـد مثلـه‏.‏

ونبش ذلك كله وحمل جميعه إلى صالح بن وصيف فقال صالح‏:‏ قبح الله قبيحة عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار وعندها هذه الأموال كلها وكان المتوكل قد سماها قبيحة لحسنها وجمالها كما يسمى الأسود كافور‏.‏

ثم سارت قبيحة إِلى مكـة فكانت تدعو بصوت عال على صالح بن وصيف وتقول‏:‏ هتك ستري وقتل ولدي وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة مني‏.‏

ظهور صاحب الزنج في هذه السنة كان أول خروج صاحب الزنج وهو علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه في عبد القيس فجمع إِليه الزنج الذين كانوا يسكنون السباخ في جهة البصرة وادعى أنه علي بن محمد بـن أحمـد بـن عيسـى بـن زيـد بـن علـي بـن الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالـب‏.‏

ولمـا صـار لـه جَـمْع عبر دجلة ونزل الديناري وكان صاحب الزنج المذكور قبل ذلك متصلاً لحاشية المنتصر في سامراء يمدحهم ويستمنحهم بشعره ثم إِنه شخص من سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين إِلى البحريـن فادعـى نسبتـه فـي العلوييـن كمـا ذكـر وأقـام فـي الإحسـاء ثـم صـار إِلـى البصـرة فـي سنـة أربـع وخمسين ومائتين‏.‏

وخرج في هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين ومائتين واستفحل أمره وبث أصحابه يميناً وشمالاً للإِغارة والنهب‏.‏

وفي هذه السنة توفي خفاجـة بـن سفيان أمير صقلية وولى بعده ابنه محمد وفيها توفي محمد بن كرام صاحب المقالة فـي التشبيـه وكـان موتـه بالشـام وهـو مـن سجستـان وفيهـا توفي عبد الله بن عبد الرحمن الداراني صاحـب المسنـد توفـي فـي ذي الحجـة وعمـره خمـس وسبعـون سنـة‏.‏

وفيهـا توفي أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيـف المشهـورة وكـان كثيـر الهـزل نـادر النـادرة خالـط الخلفـاء ونادمهم أخذ العلم عن النظام المتكلم وكان الجاحظ قد تعلق بأسباب ابن الزيات فلما قتل ابن الزيات قيد الجاحظ وسجن ثم أُطلق‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ ذُكرت للمتوكـل لتعليـم ولـده فلمـا مثلت بين يديه بسامراء استبشع منظري فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفنـي‏.‏

وصنـف الجاحظ كتباً كثيرة منها‏:‏ كتاب البيان والتبيين جمع فيه بين المنثور والمنظوم وكتاب الحيوان وكتاب الغلمان وكتاب في الفرق الإسلامية وكان جاحظ العينين كاسمه قال المبرد‏:‏ دخلت على الجاحظ في مرضه فقلت‏:‏ كيف أنت فقال‏:‏ كيف يكون من نصفه مفلوج لو نشر ما أحس به ونصفه الآخر منقرسٌ لو طار الذباب به آلمه وقد جاوز التسعين ثم أنشد‏:‏ أترجـو أن تكـون وأنـت شيخ كمـا قد كنت أيام الشبابِ لقد كذبتكَ نفسكَ ليـسَ ثـوبٌ دريـسٌ كالجديد من الثيابِ وقد روي أن موته كان بوقوع مجلدات عليه وكان من عادته أن يصفها قائمة كالحائـط محيطـة به وهو جالس إِليها وكان عليلاً فسقطت عليه فقتلته في محرم هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وخمسيـن ومائتيـن

في هذه السنة جمع موسى بن بغا أصحابه لقتل صالح بن وصيف فهرب صالح واختفى ثم ظفر به موسى فقتله‏.‏

  خلع المهتدي وموته

في هذه السنة في منتصف رجب خُلع محمد المهتدي بن هارون الواثق بن المعتصم وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه وكان سببه أنه قصد قتل موسى بن بغا وكان موسى المذكور معسكراً قبالة بعض الخوارج وكتب بذلك إِلى بابكيال - كان من مقدمـي التـرك - أن يقتـل موسى بن بغا ويصير موضعه فأطلعَ بابكيـال موسـى علـى ذلـك فاتفقـا علـى قتـل المهتـدي وسارا إِلى سامراء ودخل بابكيال إلى المهتدي فحبسه المهتدي وقتله وركب لقتال موسى ففارقت الأتراك الذي كانوا مـع المهتـدي عسكـر المهتـدي وصـاروا مـع أصحابهـم الأتـراك مـع موسـى فضعـف المهتـدي وهـرب ودخل بعض الدور فأُمسك وداسوا خصيتيه ليصفعوه فمات ودفن بمقبرة المنتصر‏.‏

وكانت خلافة المهتدي أحد عشر شهراً ونصفاً وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة وكان المهتدي أسمر عظيم البطن قصيـراٌ طويـل اللحيـة ومولـده بالقاطـول وكـان ورعاً كثير العبادة قصد أن يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية‏.‏

  خلافة المعتمد على الله

وهو خامس عشرهم لما خلع المهتدي وقُتل أخرج كبراء الدولة أبا العباس أحمد بن المتوكل من الحبس وبايعه الناس بالخلافة ولقب المعتمد على الله واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان‏.‏

وفي هذه السنة ملك صاحب الزنج الأبله عنوة‏.‏

وقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأحرقها وكانت مبنية بالساج فأسرعت النار فيها ثم استولى على عبادان بالأمان ثم استولى على الأهواز بالسيف وفيها عزل عيسى بن الشيخ عن الشام وكان قد استولى عليه وقطع الحمل عـن بغداد كما ذكرنا فعقد لعيسى على أرمينية وولى أماجور الشام فسار واستولى عليه بعد أن جرى بينه وبين أصحاب عيسى قتال شديد انتصر فيه أماجور واستقر أميراً بالشام‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الإمـام محمـد بـن إسماعيـل البخاري الجعفي صاحب المسند الصحيح الذي هو الدرجة العالية في الصحة المتفق على تفضيله والأخذ منه والعمل به ورحل في طلب الحديث إِلى الأمصار وكان مولده سنة أربع وتسعين ومائة لثلاث عشرة خلت من شوال‏.‏

قال البخـاري‏:‏ ألهِمـت حفـظ الحديث وأنا في الكتاب ابن عشر سنين فلما بلغت ثماني عشرة سنة صنفت قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وصنفـت كتـاب التاريـخ إِذ ذاك عنـد قبـر رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أخرجت الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث وما أدخلت فيه إِلا ما صح‏.‏

وورد مرة إِلى بغداد فعمد أهل الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ووضعـوا عشـرة أنفس فأورد واحد بعد آخر الأحاديث المذكورة والبخاري يقول في كل حديث منها‏:‏ لا أعرفه‏.‏

فلما فرغوا قال‏:‏ أما الحديث الأول فهو كذا ورده إِلى حقيقته وأما الثاني فهو كـذا حتى ذكرها عن آخرها على حقيقتها‏.‏

ووقع بين البخاري وأمير بخارى واسمه خالد وحشة فدسّ خالد من قال إن البخاري يقول بخلق الأفعال للعباد وبخلق القرآن فتبرأ البخاري من ذلك وأنكره وعظـم عليـه فارتحـل ونـزل عنـد بعـض أقاربـه بقريـة مـن قـرى سمرقنـد علـى فرسخيـن منها اسمها خرشك فمات بها ليلة عيد الفطر من هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين

فيها أخذ الزنـج البصـرة وقتلـوا بهـا كـل مـن وجـدوه وخربوهـا‏.‏

وفـي هـذه السنـة ملك يعقوب الصفار بلخ ثم سار إلى كابل فاستولى عليها وأرسل هدية إِلى الخليفة وفيها أصنام من تلك البلاد‏.‏

وفي هذه السنة قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان جرجان وملكها وفيها قُتل محمد بن خفاجة أمير صقلية قتله خدَمه كما تقدم ذكره سنة سبع وأربعين ومائتين واستعمل محمد بن أحمد الأغلبي صاحب إِفريقية على صقلية أحمد بن يعقوب‏.‏

وفيها توفي العباس بن الفرج الرياشي اللغوي‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائتين

في هذه السنة أرسل المعتمد أخاه الموفق أبا أحمد إِلى قتال الزنج‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين

في هذه السنة استولى يعقوب الصفار على نيسابور وملكهـا‏.‏

وفيهـا توفـي محمـد بـن موسـى بـن شاكـر أحد الأخوة الثلاثة الذين ينسب إِليهم جيل بني موسى المشهورين واسم أخويه أحمد والحسين وكان لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكان الغالب عليهم الهندسة والحيل والموسيقى ولما بلغ المأمون من كتب الأوائل أن ثور الأرض أربعة وعشرون ألف ميل أراد تحقيق ذلك فأمر بني موسى المذكورين بتحرير ذلـك فسألـوا عن الأراضي المتساوية فأخبروا بصحراء سنجار ووطاة الكوفة فأرسل معهم المأمون جماعة يثق إِلى أقوالهم فساروا إِلى صحراء سنجار وحققوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا هناك وتـداً وربطـوا فيـه حبـلاً طويـلاً ومشـوا إِلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف حسب الإمكـان وبقي كلما فرغ حبل نصبوا في الأرض وتداً آخر وربطوا فيه حبلاً آخر كفعلهم الأول حتـى انتهـوا كذلـك إِلـى موضـع قـد زاد فيـه ارتفـاع القطـب الشمالـي المذكـور درجـة محققة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميلاً وثلثي ميل ثم وقفوا عند موقفهم الأول وربطوا في الوتد حبلا ومشوا إِلى جهة الجنوب من غير انحراف وفعلوا ما شرحناه حتى انتهوا إِلى موضع قد انحط فيه ارتفاع القطب الشمالي درجة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميـلا وثلثـي ميل ثم عادوا إِلى المأمون وأخبروه بذلك فأراد المأمون تحقيق ذلك في موضع آخر فصيرهم إِلى أرض الكوفة فساروا إِليها وفعلوا كما فعلوا في أرض سنجار فوافق الحسابان وعادوا إِلى المأمون فتحقق صحة ذلك وصحة ما نقل من كتب الأوائل لمطابقة ما اعتبره ثم ضربـوا الأميـال المذكـورة في ثلاثمائة وستين وهي درج الفلك فكان الحاصل أربعة وعشرين ألف ميـل وهـو دور الـأرض‏.‏

أقـول‏:‏ كـذا نقله ابن خلكان‏.‏

ونقل غيره من المؤرخين أن الذي وجد في أيام المأمون لحصّة الدرجة ستة وستون ميلاً وثلثا ميل وهو غير صحيح فإِن ذلك هو لحصة الدرجة على رأي القدماء وأما في أيام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة وخمسين ميلاً وقد تحقق ذلك في علم الهيئة‏.‏

  ثم دخلت سنة ستين ومائتين

فيها قتلت العرب منجور والي حمص واستعمل عليها بكتمر‏.‏

وفيها توفي مالك بن طوق الثعلبي بالرحبة وهو الذي بناها والذي تنسب إِليه فيقال رحبة مالـك‏.‏

وفيهـا توفـي الحسـن بـن علـي بـن محمـد بـن علـي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالـب رضـي اللـه عنـه وهـو المعروف بالعسكري وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإِمامية‏.‏

وهو والد محمد المنتظر من سرداب سرمن رأى على زعمهم وكـان مولـده سنـة اثنتيـن وثلاثيـن ومائتيـن حسبمـا تقـدم ذكـره فـي سنـة أربـع وخمسيـن ومائتيـن‏.‏

وفيهـا توفي الحسـن بـن الصبـاح الزعفرانـي الفقيـه وهـو مـن أصحـاب الشافعـي البغدادييـن‏.‏

وفيهـا توفـي حنيـن بن إسحاق الطبيب العبادي وهو الذي نقل كتب الحكماء اليونانيين إِلى العربية وكان عالماً بها وهـو الـذي عـرّب كتـاب إِقليـدس وكتـاب بطليمـوس المجسطـي وأصلحهمـا ونقحهمـا والعبَـادي بكسـر العيـن المهملـة وفتـح البـاء الموحـدة مـن تحتهـا هـذه النسبـة إِلـى عبـاد الحيـرة وهم عدة بطون من قبائل شتى نزلوا الحيرة وكانوا نصارى ينسب إِليهم خلق كثير منهم عدي بن زيد العبادي‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحدى وستين ومائتين

ولاية نصر بن أحمد الساماني ما وراء النهر وابتداء أمر الساماني فـي هـذه السنـة استُعمـلَ نصـر بـن أحمـد بـن أسـد بـن سامـان أخـذه بـن جثمان بن طغاث بن نوشرد بـن بهـرام جوبيـن وهـو بهـرام جوبيـن الـذي ذكـر فـي أخبـار كسـرى برويـز وكـان لأسـد بـن سامان أربعة أولاد هم نوح وأحمد ويحيى وإلياس وكانوا في خراسان حين تولى عليها المأمون بن الرشيد فأكرم المأمون أولاد أسد بن سامان الأربعة المذكورين وقدّمهم واستعملهم‏.‏

ولما رجع المأمون من خراسان إلى العراق استخلف على خراسان غسان بن عباد فولى غسان المذكور أحمد بـن أسـد فرغانـة فـي سنـة أربـع ومائتيـن ويحيـى بـن أسد الشاش مع أسرشة وولى إِلياس بن أسد هراة وولى نوح بن أسد سمرقند ولما تولى طاهر بن الحسين على خراسان أقرهم على هذه الأعمـال حسبمـا كـان قـد ولاهـم غسـان بـن عبـاد عليـه ثـم مات نوح ابن أسد ثم مات بعده إلياس بهراة فاستقر على عمله ابنه محمد بن إِلياس‏.‏

وكان لأحمد بن أسد سبعة بنين وهم نصر ويعقوب ويحيى وأسد وإسماعيل وإسحاق وحميد ثم مات أحمد بن أسد فاستخلف ابنه نصراً على أعماله وكان إِسماعيل ابن أحمد يخدم أخاه نصراً فولاه نصر بخـارى‏.‏

فـي هـذه السنة أعني سنة إحدى وستين ومائتين‏.‏

ثم بعد ذلك سعت السعاة بين نصر وأخيه إسماعيل فأفسدوا ما بينهما حتى اقتتلا سنة خمس وسبعين ومائتين فظفر إِسماعيل بأخيه نصر فلما حمل إِليه ترجل له إسماعيل وقبل يده ورده إِلى موضعه واستمـر إِسماعيـل ببخـارى وكـان إِسماعيـل رجـلا خيـراً يحـب أهـل العلـم ويُكرمُهم فلذلك دام ملكه وملك أولاده وطالت أيامهم على ما سنذكره إِن شاء الله تعالـى‏.‏

وفي هذه السنة عصى أهل برقة على أحمد بن طولون فجهز إليهم جيشاً فحاصروا برقة وفتحوها وقبضوا على جماعة من رؤسائهم‏.‏

وفي هـذه السنـة توفـي محمـد بـن أحمـد بـن محمـد بـن إِبراهيـم بـن الأغلـب صاحـب إِفريقيـة فـي جمـادى الأولـى‏.‏

وكانـت ولايتـه عشـر سنيـن وخمسـة أشهـر ونصفـاً‏.‏

وتولى بعده أخوه إبراهيم بن أحمد بن محمـد ثـم سـار إِبراهيم بن أحمد بن محمد إِلى صقلية وفتح الفتوحات العظيمة وجاهد في الله حق جهاده وتوفي إبراهيم بالذرب ليلة السبت لإحدى عشرة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين بصقلية رحمه الله تعالى وجعل في تابوت وحمل إِلى إِفريقية ودفن بالقيروان وكانت ولايته خمساً وعشرين سنة وكان له فطنة عظيمة وتصدق بجميع ماله‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الحسـن بـن عبـد الملـك بـن أبـي الشـوارب قاضـي القضـاة وهو من ولد عتاب بن أَسيد الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها ثم دال مهملة‏.‏

وفيها توفي أبو يزيد البسطامي الزاهد واسمه طيفور بن عيسى بن سروبيان وكان سروبيان مجوسيـاً فأسلـم وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو الحسيـن مسلـم ابـن الحجاج النيسابوري صاحب المسند الصحيح‏.‏

رحل إِلى الأمصار لسماع الحديث‏.‏

قال مسلم‏:‏ صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث مسموعة ولما قدم البخـاري إِلـى نيسابـور لازمـه مسلـم ولمـا وقعـت للبخاري مسألة خلق اللفظة انقطع الناس عنه إِلا مسلماً‏.‏

وقال مسلم للبخاري‏:‏ دعني أُقتل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنين وستين ومائتين

في هذه السنة أرسل الخبيث صاحب الزنج جيشاً إِلى جهة بطايح واسط فقتلوا وسبوا وأحرقوا وفيها مات عمر بن شيبة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائتين

في هذه السنة استولى يعقوب الصفار على الأهواز‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وستيـن ومائتيـن

فـي هذه السنة مات أماجور مقطع دمشق وسار أحمد بن طولون من مصر إلى دمشق ثم إِلى حمص ثم إِلى حماة ثم إِلى حلب فملكها جميعها ثم سار أحمد بن طولون إِلى إنطاكية ودعا سيما الطويل أمير إنطاكية إِلى الدخول في طاعته فأبى فقاتله أحمد وملك إنطاكية عنوة وقاتل سيما قتالاً شديداً حتى قتل ثـم رحـل أحمـد إِلـى طرسوس وعزم على المقام بها للجهاد فغلا بها السعر وقلّ القوت فرجع إِلى الشام‏.‏

وفـي هـذه السنـة خـرج بالصيـن خارجـي مجهـول النسب والاسم وعظيم جمعه فقصد مدينة خانقو من الصين وحصرها وهي حصينة ولها نهر عظيم وبها عالم كثير من المسلمين والنصـارى واليهود والمجوس وغيرهم من أهل الصين ففتحها عنوة وقتل من أهلها ما لا يحصى واستولى على شيء كثير من بلاد الصين ثم عدم الخارجي المذكور في حرب ملك الصين وانهزمت أصحابه فلم يجتمع بعد ذلك‏.‏

وفـي هـذه السنة فرغ إِبراهيم بن أحمد بن محمد الأغلبي صاحب إِفريقية من بناء مدينة رقادة وانتقل إِليها وسكنها‏.‏

وكان قد ابتدى في بنائها سنة ثلاث وستين ومائتين‏.‏

وفـي هـذه السنـة ماتـت قبيحـة أم المعتز‏.‏

وفيها مات أبو إبراهيم الزني صاحب الشافعي‏.‏

وفيها توفي فـي مصـر يونـس بـن عبـد الأعلـى بـن موسـى أحـد أصحـاب الشافعـي وكـان مولـده سنـة سبعيـن ومائة وكان يهوى يونس المذكور للشافعي‏.‏

مـا حـك جلدكَ مثل ظفركْ فتول أنتَ جميع أمركْ وإذا قَصدتَ لحاجةٍ فاقْصدْ لمعترفٍ بقدرِكْ وقـال‏:‏ سمعـت الشافعـي يقول‏:‏ رضى الناس غاية لا تدرك فانظر ما فيه صلاح نفسك‏.‏

في أمر دينك ودنياك فالزمه‏.‏

وعبد الرحمن مؤلف تاريخ مصر المشهور هو ولد يونس المذكور وهو عبد الرحمن بن أحمد

  ثم دخلت سنة خمس وستين ومائتين

فيها دخل الزنج النعمانية وسبوا وأحرقوها ثم صاروا إِلى جرجرايا ودخل أهل السواد بغداد‏.‏

موت يعقوب الصفار وفي هـذه السنـة مـات يعقـوب بـن الليـث الصفـار تاسـع عشـر شـوال بجنديسابـور مـن كـور الأهواز وكانت علته القولنج فوصف له الحكماء الحقنة فلم يحتقن وكان المعتمد قد أرسل إِليه رسولا وكتاباً يستمليه ويعقوب مريض فأحضر الرسول وجعـل عنـده سيفـاً ورغيفـاً مـن الخشكار وبصلا وقال الرسول‏:‏

قل للخليفة إِن مـت فقـد استـراح منـي واسترحـت منـه وإنْ عوفيت فليس بيني وبينه إِلا هذا السيف وإنْ كسرني وأفقرني عدت إِلى أكـل هـذا الخبـز والبصل‏.‏

وكان يعقوب قد افتتح الرخُج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده وكان ملك الرخج يجلـس على سرير ذهب ويدَّعي الإِلهية وكان يعقوب حازماً عاقلاً وكان يعمل الصفر في مبتدأ أمره فقيـل لـه الصفـار لذلـك‏.‏

وصحـب فـي حداثتـه رجـلاً مـن أهـل سجستـان كان مشهوراً بالتطوع في قتال الخوارج يقال له صالح بن النضر الكناني ثم هلك صالح المذكور فتولى مكانه درهم بن الحسين فصار يعقوب مع درهم كما كان مع صالح وكان درهم غير ضابط لأمور العسكر فلما رأى أصحاب درهـم ضعفـه وعجـزه اجتمعـوا علـى يعقـوب بـن الليـث الصفـار المذكـور وملكـوه أمرهم فلما تبين ذلك لدرهم لم ينازعه وسلم الأمر إِليه فاستبد يعقوب بالأمر وقويت شوكته واستولى على البلاد على ما تقدم ذكره في مواضعه من السنين‏.‏

ولما مات يعقوب قام بالأمر بعده أخوه عمرو بن الليث وكتب إِلى الخليفة بطاعته فولاه الموفق خراسـان وأصفهـان وسجستـان والسنـد وكرمـان وسيـر إِليـه الخلـع مـع الولايـة‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي إِبراهيم بن هاني بن إسحاق النيسابوري وكان من الأبدال‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وستيـن ومائتيـن

فـي هذه السنة قتل أهل حمص عاملهم عيسى الكرخي‏.‏

وفي هـذه السنـة كـان النـاس فـي البلـاد التـي تحـت حكـم الخليفـة فـي شـدة عظيمـة بسبـب تغلـب القـواد والأجناد على الأمر لقلة خوفهم وأمنهم مـن الإنكـار علـى مـا يفعلونـه لاشتغـال الموفـق بقتـال صاحب الزنج ولعجز الخليفة المعتمد واشتغاله بغير تدبير المملكة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع وستيـن ومائتين

في هذه السنة كان بين الموفق أخي الخليفة وبين الخبيث صاحب الزنج حروب كثيرة يطول شرحها وكشف الزنج عن الأهواز واستولى عليها ثم سار الموفـق إِلـى مدينـة صاحـب الزنـج وكـان قـد حصنهـا إلـى غايـة مـا يكـون وسمّاها المختارة وحاصرهـا الموفـق فخـرج أكثـر أهلها إليه بالأمان وضعف الباقون عن حفظها فسلموها وفي هذه السنة ولي صقلية الحسن بن العباس فبث السرايا إِلى كل ناحية‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان وستيـن ومائتيـن

وسنـة تسـع وستيـن ومائتيـن في هذه السنة حالف لؤلؤ غلام أحمد بن طولون على مولاه أحمد بن طولون وكان في يد لؤلؤ حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة وكاتب الموفق في المسير إليه ثم سار إِليه‏.‏

وفـي هـذه السنـة أمـر المعتمـد بلعـن أحمد بن طولون على المنابر لكونه قطع خطبة الموفق وأسقط اسمه من الطرز وإنما أمر المعتمد بذلك مكرهاً لأن هواه كان مع ابن طولون ولم يكن للمعتمد من الأمر شيء بل الأمر لأخيه الموفق وكان المعتمد قد قصد اللحوق بأحمد بن طولون بمصر لينجده على أخيه الموفق وسار عن بغداد لما كان أخوه مشتغلاً فـي قتـال الزنـج فأمسـك إِسحاق بن كنداج عامل الموصل القواد الذين كانوا صحبة المعتمد وأرسلهم إِلى بغداد وتقدم إِلى المعتمد بالعَود فلم يمكنه مخالفته بعد إِمساك قواده فرجع إِلى سامراء‏.‏

  ثم دخلت سنة سبعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة قتـل صاحـب الزنـج لعنـه اللـه بعـد قتـل وغَـرقِ غالـب أصحابه وقُطع رأسه وطيف به على رمح وكثر ضجيج الناس بالتحميد ورجع الموقف إِلى موضعـه والـرأس بين يديه وأتاه من الزنج عالم كثير يطلبون الأمان فأمنهم ثم بعث برأس الخبيث إِلـى بغـداد وكـان خـروج صاحب الزنج يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين فكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفي الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان في رجب وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وكسراً وولي مكانه أخوه محمد بن زيد‏.‏